الفهرس
في عمق الصحراء، حيث تتلاقى الرمال الحمراء بوهج الشمس وتنساب القوافل بين الجبال الصخرية، نشأت حضارة غامضة نحتت مجدها في الصخر وألّفت سطورها بين دروب التجارة والعبادة والفن، إنها حضارة الأنباط العربية التي شيدت قصورها من الطين، بل جعلت الجبال كتاباً مفتوحاً تروي للأزمان حكاية شعبٍ خُلّد اسمه في ذاكرة التاريخ.
كيف تمكّن هؤلاء البدو الرحل من بناء إمبراطورية تجارية امتدت من أعماق الجزيرة العربية إلى أبواب الشام؟، وكيف صاغوا مدينة البتراء، تلك الأعجوبة الوردية بمهارة معمارية تخطت حدود عصرهم؟، لنجيب عن هذه الأسئلة في مقالنا هذا، لكن في البداية دعنا نتعرف على هذه الحضارة ونشأتها.
نبذة عن حضارة الانباط
ظهرت حضارة الأنباط حوالي القرن الرابع قبل الميلاد لتبدأ بعدها حكايةً جعلتها في تاريخ أعظم الحضارات العربية، حيث شيدوا مدن عظيمة مثل البتراء ومدائن صالح وعين عبّاط، بالإضافة إلى شهرتهم بعمارتها الساحرة عبر نحتها في الصخور والجبال العملاقة، فضلاً عن تشييد المعابد التي نقلت حياتهم الروحية.

كما سجل الأنباط حضارتهم وكتبوها بالأبجدية الآرامية، فضلاً عن لعب هذه اللغة دوراً محورياً في تطور الخط العربي لاحقاً، بالإضافة إلى حضورهم القوي في التجارة، حيث سيطروا على طرق التجارة التي تربط الهند واليمن ببلاد الشام والبحر الأبيض المتوسط، إلى جانب تجارتهم بأكثر السلع طلباً مثل البخور التوابل والأقمشة، بالإضافة إلى الذهب والفضة.
نسب الانباط
تختلف الروايات حول النسب الأنباط، لكن من المؤكد أنهم شعب عربي قديم ينتمي إلى القبائل العربية البائدة، حيث تدور بعض الاعتقادات بأنهم من العرب العدنانيين وهو الجد الأعلى للقبائل العربية الشمالية، لكن يرتبطون تاريخياً بالبدو الرحل الذين استقروا في شمال غرب الجزيرة العربية وتحولوا إلى مملكة حضارية مزدهرة.
أين تقع حضارة الأنباط ؟
امتدت حضارة الأنباط على رقعة واسعة من الأرض شملت أجزاء من جنوب بلاد الشام وشمال الجزيرة العربية. فكانت البتراء في جنوب الأردن عاصمتهم السياسية والدينية، ومنها توسّعوا شمالًا ليصلوا إلى بُصرى ودمشق في جنوب سوريا، وغربًا إلى غزة وسيناء حيث وصل نفوذهم إلى سواحل البحر الأبيض المتوسط.
كما امتدوا جنوبًا إلى مدائن صالح (الحِجر) في شمال غرب السعودية، والتي أصبحت من أهم مراكزهم التجارية والدينية، فضلاً عن اعتبارها جارةً لـ مملكة قيدار في ذات المناطق، أما من الناحية الشرقية إلى أطراف وادي السرحان وبعض المناطق الشرقية في الأردن التي شاركت أيضاً في تاريخ الانباط .
اثار الانباط
في بطون الجبال وعلى مدرجات الصخر، نقشت حضارة الأنباط لنفسها سجلاً لا يطويه الزمان ولا تمحوه الرياح، حيث استطاعوا نحت الصخور وتسخيرها في خدمتهم واعتمدوا عليها كلياً، فضلاً عن أنظمة المياه التي جعلت من عملية استمراريتها أُسطورةً حتى يومنا هذا، ومن أشهر هذه الآثار:
مدينة البتراء

إحدى عجائب الدنيا السبع التي اكتسبت أكبر شهرة في معان جنوب الأردن، حيث تعتبر هذه المدينة عاصمة مملكة الأنباط وأفضل ما صنعوا أثناء تواجدهم، وذلك لاحتوائها على جميع العناصر اللازمة للتعرف على هذه الحضارة العريقة، فمن أشهر معالمها هي الخزنة التي تلاقي الزوار مباشرةً بعد انهائهم السير في السيق، بالإضافة إلى المعابد والمسرح التي تبين مدى عمق الثقافة لدى الأنباط.
خربة الذريح
خربة الذريح من أكثر الأماكن التي تبرز عبق التاريخ باحتوائها العديد من الآثار الخاص بعدة حضارات سابقة، لكن من أهمها هي النبطية، إذ تضم مبنى عبادة مهم وبقاياه واضحة وخصوصاً النقوش المنحوتة التي تُبرز الفن المعماري فيها، علاوةً على كشفها الكثير عن الحياة اليومية للأنباط خرج مركزهم في البتراء.
مدائن صالح

تعتبر مدائن صالح من أهم الآثار التي تقع شمال السعودية من أشهر معالم الحضارات العربية سابقاً، إضافة ًإلى اعتبارها أهم المدن النبطية بعد البتراء، إذ تضم هذه المدينة أكثر من 130 قبراً منحوتاً بالصخور ومزخرفة بأنماط فنية مدهشة ومنهم قبور ملوك الأنباط ، ومن أشهر معالمها قصر البنت وقصر الفريد، بالإضافة إلى العجوز، ومن الجدير بالذكر أنه أول موقع سعودي يُدرج في قائمة اليونسكو للتراث العالمي.
ختاماً، تبقى حضارة الأنباط شاهداً على عبقرية الإنسان العربي حين يلتقي بالتحدي فيصنع من الصخر قصوراً ومن الصحراء تراث، لم تكن هذه الحضارة الدليل الوحيد على هذا الوجود العريق، حيث تقدم مدونة ترحال الأصايل أمثلة على حضارات أخرى طوّعت التاريخ لمصلحتها وجعلت أحداثه مليئة بالمعلومات والثراء الثقافي مثل حضارة دلمون.


